08-03-2012 09:25 AM
كل الاردن -
جمال الدويري
لم تستهويني يوما فكرة الحج إلى مجلس النواب الأردني ومشاهدة إحدى جلساته, فما رشح لنا منها على شاشات التلفاز والإعلام كان كافيا لأن أبتعد عن هذا المبنى لمسافة كانت حتى "زرقاء اليمامة" ستشكو عنده من طول النظر وقصره معا.
في الأمس, الأربعاء 07.03.2012 , وبتأثير من بعض الزملاء والأصدقاء الذين أقنعوني أخيرا بكلمة "منتسلى" حملت نفسي وتحفظي ويممت وجهي شطر العبدلي, وليتي لم أفعل.
منتسلى؟ لقد فهمتها حرفيا, فقد تبادر لذهني فورا جلسة التعديلات الدستورية والنائب الشاب الذي حمل كيس المخلوطة يوزع على الزملاء النواب حفنات بركاته خلال المداولة البرلمانية لتعديلات تخص مستقبل وأجيال الوطن.
قلت لنفسي أيضا, منتسلى, ربما صار "سبرا" برلمانيا أن توزع المخلوطة والمكسرات على من تحت القبة بما فيه من على "الشرفات"
وخاب الظن وخرجنا من المجلس مثلما دخلتاه, لا بل مثقلين بالهم الوطني وبأكثر من ذي قبل, وترسخت لدينا الصورة أن المسرحية هي المسرحية, والممثلين الكومبارس هم نفسهم, وأن فكرتي المسبقة عن المجلس النيابي السادس عشر وبأنه فاقد للشرعية الشعبية وبجدارة زادت صلابة وتبريرا.
قلنا "ما فيش مخلوطة" فلا بأس, ولكن قد نكون شهود عيان على عراك برلماني بالأيدي وربما "القناوي" والكراسي, وهي الأخرى "تسلاية" ولكن السيدات والسادة النواب قد خيبوا ظننا بهم بهذه أيضا, فلم نرى ونسمع إلا ملاسنات وتهديدات وصراخ لم يرق إلى مستوى حتى المصارعة الحرة التي بها كثير من التمثيل والكذب.
"ما بطلعلك" "لا بطلعلي" "اطلعلي برا" "آه باطلعلك" وحجازين وبعض "الحجارة" المتطوعين لفض الاشتباك قبل أن يتطور إلى العض والنهش والتكسير, هي أكثر مشاهد المسرحية النيابية إثارة وتشويقا.
وعندما بلغت القلوب الحناجر و "مطت" الأعصاب إلى درجة خفت عليها من القطع والانفلات, تحدث أحدهم بصوت هادئ رابط الجأش حكيم, داعيا إلى ضبط النفس وخفض مستوى الأدرينالين المنسكب من "أشداق" المتخاصمين, ودعا في السياق الزميلات والزملاء إلى غداء أو عشاء في مضاربه, حتى تطمئن النفوس وتهدأ الخواطر ومن ثم, نواصل الجلسة بهدوء, هكذا قال, ولكنني لم اسمع قبولا أو رفضا لهذه الدعوة "المنسفية"
ولرئيسهم, الذي حاول ضبط الأمور كان نصيبا في التأزيم والاقتراب من الهاوية, عندما حاول منع أحد النواب من الحديث من على المنصة بحجة أن مقرر لجنة التحقيق بقضية خصخصة الفوسفات كان يشغلها, ولم يكن. ولولا عناية الباري عز وجل, لحدث المحضور وانفضت الجلسة في بداياتها, ولقد تملكني انطباع بأن هناك الكثرة من النواب الأكارم كانوا بريدون انفضاض "الطابق" قبل اتهام الشرفاء!!!
بعد أن من الله سبحانه على الجلسة النيابية بالاستمرار, وأنهى مقرر لجنة الفوسفات النيابية عرض توصيات اللجنة فقط وليس تقريرها كاملا, بدأت مداخلات السيدات والسادة النواب, نواب الشعب, وإبداء أرائهم بالموضوع. سبقهم طبعا دولة القاضي "عون" تاليا رد الحكومة ورأيها بما ورد في توصيات اللجنة النيابية والتي طلبت فيما طلبت, تحويل البخيت وتسعة من "الكبار" إلى القضاء للتحقيق وإجراء اللازم القانوني بحقهم.
وعند الواحدة والنصف, وقد تلاطمت الأمواج وعلت, قمت من على الشرفة أبحث عن مخرج, مخرجا لورطتي الأولى وخيبة أملي وإحباطي, ومخرجا يفضي بي إلى الفضاء الرحب حيث الهواء أقل كثافة وأكثر حملا للأوكسجين, وذهبت لإحضار زوجتي من العمل والتي سبق وودعتها صباحا بأن لا تنتظرني إلا مساء. ولكن الساعتين ونصف على الشرفة كان كافية لتنال من نيتي لمتابعة الجلسة حتى ثمالتها, ومقنعة لي بأن "الدينارين" التي كانت ستدفعهما زوجتي لتكسي يوصلها إلى البيت, لأكبر قيمة وأغلى نوعية من جلسة المجلس اللاشرعي برمتها, مع مخلوطتها ومناسفها حتى.
النتيجة:
أولا, تجربتنا الديموقراطية لم تحب بعد وهي لم تزل في الخداج.
ثانيا, النظام الداخلي للمجلس النيابي, والتي لوح بها رئيسه أكثر من مرة, سطحية وتبتعد عن اللب إلى القشرة والبروتوكول المعطل والمأزم.
ثالثا, بعض نوابنا لم تصله الرسالة بعد, ويظن أنه في جاهة لخطبة عروس أو أخذ عطوة في حادث دهس مروري.
رابعا, والأمر وأدهى, والأكثر استدعاء للأدرينالين وارتفاع الضغط والسكر وربما الملح أيضا, الحقيقة المكتسبة في الأمس, بأن في بعض نوابنا اللاشرعيين, أعداء لنا وللوطن وأجنحة قوية للفساد وظهرا شديدا للفاسدين والمفسدين. وإلا كيف تقيمون من يدافع علنا وبلا تحفظ, عمن اتهمتهم توصيات لجنة التحقيق بالفوسفات, ووصفوهم بشرفاء الوطن الذين يحرم اغتيال شخصياتهم.
خامسا, معظم نوابنا يعانون من ارتفاع السكر وضعف مزمن في البروستاتا.
سادسا, الله يعينك يا وطن, والله يخلصك يا مواطن ويحميك من ممثليك.
سابعا, "الله لا يسبع حدا" وبالنسبة لي, فالعوض بوجه الكريم وما "عاد عواد يعودها" إلا إذا زلزلت الأرض زلزالها وأخرجت الأرض أثقالها
ordunnannews@hotmail.com