15-03-2012 08:56 AM
كل الاردن -
رافع الهزايمة
قال تعالى في سورة (النساء، 29) : “يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراضٍ منكم”.
في هذه الآية الكريمة نهي صريح عن أكل أموال الناس بالباطل. وإذا تساءلنا كيف يكون أكل أموال الناس بالباطل، فإن الإجابة لن تعجزنا، ونحن نرى كل يوم أشكالاً وألواناً من الناس يأكلون أموال الناس بالباطل، فمن الناس من يختلسون الأموال العامة، مستغلين مواقعهم في السلطة، ومستفيدين من سوء النظام الإداري، وفوضى العمل، وخلل أجهزة المراقبة والتفتيش، فتمتد أيديهم إلى المال العام، بحجة أنه مال الدولة، متصورين أن مال الدولة حلال، إلى أن يكتشفوا أنهم أساؤوا التقدير ووقعوا في مطب المساءلة ولم ينجوا من الفضيحة.
ومن الناس من يختلسون أموال الناس أو يخطفونها في غفلة من أصحابها، ويهربون بها معتمدين على قواهم الجسمية، أو وسائل مواصلاتهم السريعة، أو مهارتهم في التمويه والتخفي، متناسين أن الله يمهلهم إلى حين لكنه لن يهملهم أبداً، فلابد أن يقعوا ذات يوم في قبضة العدالة فيلقوا جزاءهم.
ومن الناس من ينهبون أراضي غيرهم ليتاجروا فيها من دون مراعاة لدين أو لقانون أو شريعة، متناسين قول الرسول صلى الله عليه وسلم: “من أخذ شبراً من الأرض ظلماً طوقه الله يوم القيامة إلى سبع أرضين”.
ومن الناس من ينهب أموال الناس عن طريق الخيانة، كالموظف الذي يأخذ الأموال التي أوكل إليه تدبيرها ورعايتها، أو كالذي أؤتمن على بضاعة أو وديعة فانتقصها. متناسياً أنه بذلك قد أتى بأمر شنيع، و الرسول صلى الله عليه وسلم يقول : “لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له”.
ومن الناس من يأكل أموال الناس بالباطل بدعوات كاذبة، وشكاوى ملفقة تقدم للمحاكم مستخدمين في ذلك وثائق مزورة أو شهود زور، أو يحلفون اليمين المغلظة كذباً، متناسين قول الرسول صلى الله عليه وسلم : “من اقتطع حق أمرئ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار، وحرم عليه الجنة، فقال رجل : وإن كان شيئاً يسيراً يا رسول الله؟، قال : “وإن كان قضيباً من أراك”. أي عود سواك.
ومن الناس من يأكل أموال غيره بالباطل عن طريق الرشوة حيث يأخذونها من أصحاب المصالح، وذوي القضايا، ليحصلوا على أحكام لا يستحقونها، أو مكاسب غير مشروعة، أو ينالوا امتيازات ممنوعة، متناسين أن الرشوة سُحت، والسُحت يسحت الطاعات والمروءة، أي يستأصلهما، وفي ذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “كل لحم نبت بالسحت فالنار أولى به، قالوا : وما السُحت يا رسول الله؟ قال : الرشوة في الحكم”، على اعتبار أن رشوة الحاكم أكثر أنواع الرشا خطراً.
ومن الناس من يأكل أموال الناس بالباطل عن طريق الغش في البيع والشراء، مستخدمين في ذلك أساليب متنوعة، متجاهلين ما جاء في الحديث الشريف، حين مرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على كومة من الطعام فأدخل يده فيها، فنالت أصابعه بللاً، فقال : ما هذا يا صاحب الطعام؟ قال : أصابته السماء يا رسول الله، فقال : أفلا جعلته فوق الطعام حتى يراه الناس، من غشنا فليس منا.
ومن الناس من يأكل أموال الناس بالباطل عن طريق خداع المشترين عند عملية البيع، فهم يرفعون سعر السلعة، ويزايدون فيه، لا لغرض شرائها وإنما لإغراء غيرهم بشرائها بسعر مرتفع، وهذا هو ما يسمى بالنجش الذي كثيراً ما نراه في أسواق المزاد العلني، حين يتجمع عدد من المشترين الوهميين فيزايدون في السعر لغرض رفع السعر، فيخدعون البسطاء ممن لا يعرفون أغراضهم. والنجش منهي عنه شرعاً.
ومن الناس من يأكل أموال الناس بالباطل بذريعة التعاون وحب الخير المنطوي على المحبة والمروءة، فيأخذون من الناس تبرعات أو معونات لغرض إنجاز أعمال خيرية، أو تنفيذ مشروعات اجتماعية، بينما هم في الواقع محتالون، فلا مشاريع أنجزت، ولا مساعدات قدمت، فهؤلاء يشكلون خطراً حقيقياً على المجتمع، لأنهم يفقدون الناس الثقة ببعضهم، فيحجمون عن المشاركة في المشروعات التعاونية، ويمتنعون عن تقديم المساعدات الاجتماعية، ظانين أن الناس كلهم مخادعون، وهؤلاء ينبغي الحذر منهم إلا من أتقى.
ومن الناس من يستغلون المناسبات، أو ينتهزون الظروف الحرجة التي تمر ببعض الناس، في أوقات الأزمات والشدائد، فيرفعون أسعار السلع والخدمات، مستغلين في ذلك حاجة الناس إلى المال والسلعة أو الخدمة، ويدخل ضمن هؤلاء المرابون.
rhazaimeh@yahoo.com