أضف إلى المفضلة
الخميس , 02 أيار/مايو 2024
شريط الاخبار
بحث
الخميس , 02 أيار/مايو 2024


مقاطعة الانتخابات !

بقلم : لميس اندوني
18-07-2012 11:50 PM
إذا لم يقرر الشخص مقاطعة الانتخابات احتجاجاً على قانون الانتخاب الإقصائي ، فقد تستفزه تصريحات رئيس الوزراء غير المبالية، وسأبتعد عن أوصاف أخرى، إلى المقاطعة اعتراضاً على تقليل هذه التصريحات من قيمة الرأي العام والمشاركة الشعبية.
الإصرار على القانون والنظام الانتخابيين، هو جزء من موقف رسمي أوسع غير معني لا بالمشاركة ولا بالمظالم الشعبية، لأن هناك تمسكاً غريباً بالمنهج السياسي – الاقتصادي البالي بالرغم من المصائب والأزمات التي جرها على الأردن وشعبه.
من الواضح أن هناك محاولة رسمية مستميتة، لمنع صعود وتشكيل نخب سياسية أقرب إلى الحس الشعبي وبنفس الوقت تتميز بالكفاءة والصِدقية.
يبدو أن الجهات الرسمية، معنية تماماً، وبعناد، على الحفاظ على نظام انتخابي، يستمر بإفراز، فئة سياسية، سهلة الترويض، وسريعة التحشيد ، عند الضرورة، ضد أي معارض، أو معترض على سياساتها وإجراءاتها.
من الضروري، بل من المطلوب رسمياً، أن يكون هناك طبقة سياسية، مصنَّعة خصيصاً، لاتباع الأوامر وليس لصنع القرارات وتمثيل المصالح الشعبية.
الحجة الرئيسية التي يستعملها بعض دعاة المشاركة في الانتخابات، ومعظم المدافعين عن القانون الانتخابي هي تقليص عدد نواب حركة الإخوان الإسلاميين، خوفاً من سيطرتهم على البرلمان وبالتالي تغلغلهم المفترض، أو المتوقع في مؤسسات الدولة.
أنا أعتبر نفسي علمانية، أؤمن تماماً بضرورة فصل الدين عن الدولة، كما لا أؤيد سيطرة أي تيار ديني ، لا يهمني إن كان إسلامياً أو مسيحياً، على نظام الحكم في أي مكان.
لكن في الوقت نفسه، أعي أن أحد أسباب التمسك بالنظام الانتخابي، هو ضرب قوة المعارضة وتهمشيها، إن كانت يسارية أو إسلامية، أو ليبرالية، حتى إذا كانت تعتبر موالية في جوهرها للنظام، لكنها تؤمن بالتشاركية - فحتى هذه الفئة أصبحت تحس نفسها، خارج مطبخ القرار ، ومستثنيَة وأحياناً مستعدَية ومعزولة.
بالإضافة أن الفكر الإقصائي، المحرك الرئيسي للموقف الرسمي، لا يؤدي إلى تعددية سياسية، بل يخلق انقسامات ويُعَمق شروخات مجتمعية، عدا عن أنها تضعف مؤسسات الدولة لصالح التحالف البيروقراطي الأمني الذي يعادي الديمقراطية التعددية.
هذه العقلية القديمة المتجددة تؤمن بتحالفات تكتيكية، مع قوى سياسية، بهدف محاربة قوى أخرى من دون تقديم أي برنامج وطني يتيح الحريات ويضمن المشاركة السياسية.
في الماضي، ولأكثر من عقد، خاصة منذ حل حكومة سليمان النابلسي المنتخبة عام 1957، ومن ثمَ فَرض الأحكام العرفية لأكثر من ثلاثة عقود، تم استعمال الحركة الإسلامية لإقصاء وإضعاف الحركات اليسارية والقومية، كجزء من سياسة الحرب الباردة، وفشلت هذه السياسة في تدمير المعارضة الشعبية، التي انفجرت في وجه واضعيها في هبة نيسان عام 1989، عندما تعدت سياسات القمع والكبت إلى فرض إجراءات التفقير، فثارت فئات شعبية كانت توصَفّ بقاعدة الموالاة الرئيسية، لكنها صُدِمَت بما اعتَبَرَته تخلي النظام عنها.
حالياً تحاول بعض الجهات الرسمية، أن تتجاوز الأزمة، باللجوء إلى تكتيكات جديدة واستحضار سياسات قديمة؛ من محاولة مفضوحة لتجريم الحراك الشعبي وتقويضه، إلى محاولة كسب الوجوه العشائرية وكأن الزمن لم يتغير- فالكثير من مطالب أبناء العشائر تتقاطع مع مطالب الحراك، و العديد من أبناء العشائر انضم إلى صفوف الحراك، إن لم يكن بين قادته ومحركيه.
عدا أن زمن الانسياق خلف قيادات تقليدية قد ولى، وأنه حتى لو أرادت الحكومة، أو أي جهة، كسب القيادات العشائرية، فلن تمَكِنها الأزمة المالية أن تلبي، بشكل كاف، لا المطالب الفئوية الضيقة ولا الاستجابة الحقيقية إلى المظالم الاقتصادية – لأن مثل هذه الاستجابة تتطلب مراجعة حقيقية للسياسات الاقتصادية، وتتطلب مشاركة واسعة في عملية صنع القرار.
كما لجأت الجهات الرسمية، على محاولة واضحة لتشجيع الإسلاميين على المشاركة، إلى التلويح بإمكانية عقد صفقة معهم ، تشمل توسيعا ضيقاً لعدد مقاعدهم النيابية، على حساب الفئات الأخرى، وفي الوقت نفسه، حض بعض الشخصيات اليسارية، إلى عقد تحالف ضد الحركة الإسلامية، أي وفقاً لقول شخصية يسارية، ذات صدقية، 'يريدوننا أداة لضرب الإسلاميين ولن نقبل بذلك'.
المسألة لا تكمن في الاتفاق في أو معارضة الإسلاميين، خاصة على أسس فئوية ضيقة، لأن هذه الصفقات في العادة يتم اقتراحها، للهروب من مستحقات التغيير الحقيقي، مما يدل أن لا نية للجهات الرسمية بتبني برنامج إصلاحي، بل بضرب القوى السياسية بعضها بعضا، وتثبيت الوضع القائم- لكن هذه الجهات لا تعي و لا ترى أن تلك الأمنية مبنية على وهم كبير.
بناء على ما تقدم من المهم مقاطعة الانتخابات، ليس فقط بسبب القانون الإقصائي، بل لأن خيار المقاطعة، هو تعبير شعبي قوي عن رفض الخطة المكشوفة ، لإعطاء شرعية لعملية وسياسة القضاء على فكرة الإصلاح، ودفع الناس إلى الرضوخ إلى الأمر الواقع، في تجاهل وضاح لجوهر الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، وباستهتار مذهل للتداعيات المتسارعة لهذه الأزمة .

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012