في بلاد ما .. بعيدة جدا عنا هنا

يروون قصصا غريبة عني وعنك وعنهم..

وكلّنا في معامل الخَلق ومصانع الله سواء ..

الحكماء يموتون كما الجهلاء والعباقرة تُقبض أرواحهم ويُقارعون سكرات الموت كأيِّ سخيف يعيش على البسيطة يعُدّ يومه وخرافه وإنجازات حزب البعث وعدد الذين سخر منهم وتقوّل عليهم فظلمهم دون أن يدرِ أن الظلم ظلمات يوم القيامة..

في البعيد قصص تبدأ بأصابع مبتورة وأقدام تسافر بلا رؤيا وتنهيدة تنطلق بلا أبجدية وخيبة لا يعلم عن أسرارها الا ملك للشوق يُجيد اغتيال الفساتين والنساء والزمن المؤنّث وارتباط كل ذلك بأمكنة لا ننساها أبدا..

في بلاد ما.. قريبة جدا من هنا

يتحدثون عن بياض الشرق وعن التاريخ المُشرق وعن القادم الجميل ويتباهون بفروسية العرب ورجولة رموز يشير فريق آخر الى تخاذلها وتواطئها وعن اندثار الأمنيات في قاعات اللعب واغتيال القصائد الكُبرى على منصّات التتويج وغصّة الفراهيدي واحتضار اللغة ونحيب العاشقات..

في الحارات المحيطة بي هنا .. في عمّان..

يتحدثون عن كيلو البصل الأخضر وعن لاجدوى شرائه .. ويُديرون حوارا طويلا عن قمر الدين ولقمة القاضي وعدله المُغيب في طبقٍ من شراب السُكّر..

في دكاكين قريتي لا يعرفون معنى 'تعويم الأسعار' ويظنون ان الملك مضحوك عليه وأن الوزير هو اللصّ وأن الملكة تعيش بنعيم زوجها وأن ولي العهد خير خليفة وأن الهاشميين أهل المكارم والمغانم الكبرى وأن كفرأبيل سيصلها الماء كما وصلت للطيبة الكركية بالأمس على مشهد عنتري امام فضائيات الدجل الأردني ..

في الحارات القريبة أيضا يُطالبون بعد كل صلاة للجماعة في أن يتم تحديد أسعار الخضراوات في أكشاك تبيع الموز والبطيخ والبرتقال والتفاح بطريقة عشوائية حيث كيلو التفاح حسب نوع السيارة وكيلو الثوم حسب هيأة المُشتري ومدى ارتباطه بمواصفات 'الزناقيل'..

في بيوت الجيران يتهامسون على استحياء وهم الذين لايسكنون الأحياء الشعبية ولا يسكنون دير غبار ايضا.. يتهامسون بسرية شديدة عن عملية استبدال اللحم البلدي بالسوداني او النيوزيلاندي و بضرورة ان يُضاف الدجاج الى الولائم فأوزي الدجاج بدل القدرة الخليلية مثلا والمسخّن بالزيت والبصل مع الدجاج بدل المنسف بقطع اللحم التي يجب ان تصل الى نصف كيلو لتشير الى كرم صاحب البيت وتقديره للضيوف..

في بيتي أنا تُشير الخادمة الى ضرورة التخلُّص من أطعمة قديمة وأجبان قديمة ولبنة وصلت قبل أسبوعين من 'سوف' ولم يتذوّقها أحد .. تشير الى ضرورة توزيعها على الفقراء .. وأنا أؤكد لها أنني من أتباع مدرسة 'لاتُلقي شيئا' وأنني أؤمن بمضمون قوله تعالى: 'لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون وما تنفقوا من شيء فإن الله به عليم'...

فيا أسماء 'وهو اسم مساعدتي في اعمال البيت'..

إن كان الملك عبدالله 'امير المؤمنين الاردنيين' لايرانا ونحن نطعم فقراء قومنا طعاما منتهي الصلاحية .. فإن 'ربّ' عبدالله الاول والثاني و 'ربّ' عبدالرؤوف الروابدة وسهل المجالي وعوض الله والياسين والسرور وجميع المدعويين على الافطار في قصر الملك ..يرانا ويراهم وسيحوّل ما في بطونهم الى نار مستعرة كما ينبغي للصّ يرتدي ربطة عُنق ويأكل مال الفقير بمبررات ومسميات لاتُقضّ مضجعه ولا تُنغِص عليه نومه...

هيا ياأسماء فموعد الماء البارد والبطيخ قد اقترب..

هيا فالله أرحم بعباده منا ..



ehssanfakih@gmail.com