02-02-2012 08:55 AM
كل الاردن -
عبدالحليم المجالي
تابعت كمواطن عربي مداخلات العرب في جلسة مجلس الأمن التي عقدت بتاريخ 31 كانون ثاني – فبراير في نيو يورك للبحث في الحالة السورية , وكان أول المتحدثين الشيخ حمد رئيس وزراء ووزير خارجية قطر , وأعلن انه سيتحدث بالعربية , تلاه مباشرة الأمين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي , وتحدث بالعربية أيضا , الوزير والأمين العربيان قدما مبادرة عربية وطلبا من مجلس الأمن تبنيها والتدخل لحماية المدنيين من بطش النظام السوري حسب أدعائهما . كان من الممكن أن يتكلم شخص واحد طالما أن المضمون للكلمتين واحد ولكن العادة العربية لا تسمح بذلك ولولا العوائق اللوجستيه لجاء كل من يستطيع الحديث لتكون الفزعة اكبر . جاء الرد من مندوب سوريا والذي افتخر أيضا بالحديث بالعربية واستنجد بشعر نزار القباني كتنبؤ سبق هذه الأيام الحالكة لسوريا بخذلانها من العرب " دمشق يا كنز أحلامي ومروحتي أشكو العروبة أم أشكو إليك العربا"
انتابني شعور مركب من اليأس من هذه الأمة العربية التي يطالب أمين عام جامعتها بالتدخل الدولي في قضية عربية صرفة لعجز تلك الجامعة عن عمل أي شيء عربي نابع من مصلحة الأمة ومتطلباتها , والشعور بالذل والهوان وأنا أرى القضية العربية تطرح أمام أعداء الأمة ويطلب العون والفرج منهم ومن مجلس لا يذكره العرب إلا بالانحياز التام للصهيونية والاستعمار منذ الانتداب البريطاني ومرورا بالقرارات الدولية المجحفة صياغة وتطبيقا بالأمة العربية وقضاياها , والفيتو الأمريكي الجاهز لإجهاض أي نية بإنصاف العرب , والشعور بالأسف الشديد لما وصلت إليه الأمة من تشتت ومن غباء يطرح جانبا سلاحا فتاكا وهو سلاح الوحدة والرؤية ألمشتركه للأمور والتفكر بمصير الأمة وما يمكن أن يتركه التدخل الأجنبي من آثار سيئة على المنطقة بأسرها , وشعور بالخزي والعار من غياب قيادة عربية راشدة تكون مرجعا لكل تائه أو شارد .
حاولت أن استحضر مثلا من التاريخ يشبه الحالة العربية المتلبسة والتي تتراوح بين التقصير و الخيانة , تلك الحالة التي عبر عنها موقف الجامعة العربية وموقف المواطنين العرب المنقسم بين مؤيد للتدخل الأجنبي ومعارض له , فقفز إلى ذهني حكومة فيشي الفرنسية التي جاءت بعد الاحتلال الألماني النازي لفرنسا والتي أخذت اسمها من البلدة التي تم اجتماع الجمعية الوطنية الفرنسية فيها للتصديق على اتفاقية الهدنة مع ألمانيا المنتصرة بتاريخ 22حزيران – يونيو 1940 , تم بموجب هذه الاتفاقية تقسيم فرنسا إلى منطقتين الأولى خاضعة للسلطة العسكرية الألمانية مباشرة والمنطقة الثانية للحكم والسيادة الفرنسية بشكل اسمي , استمرت حكومة فيشي 4سنوات وكانت سياستها تتناغم مع أحوال ومستجدات الحرب . بغض النظر عن التفاصيل انتهت حكومة فيشي وذهنيها الاستسلامية في عام 1944 عندما دخلت حكومة فرنسا الحرة بقيادة ديغول باريس بعد تحريرها تماما من الاحتلال وإلغاء جميع قوانين فيشي وتشريعاتها .
من أركان القياس وجود تشابه بين المقاس والمقاس عليه , حكومة فيشي جاءت بعد هدنة مفروضة من المنتصرين على المهزومين , وجاءت لتتناغم مع نتائج تلك الحرب العدوانية , ومن شروط الهدنة التقسيم , والوضع العربي اليوم يكاد يعود إلى زمن الهدنة الأولى بعد احتلال فلسطين عام 1948 , ولعل ما تطالب به حماس الآن , وان أعطته اسما آخر – تهدئة- يثبت ذلك , كما أن حالة اللاسلم واللاحرب التي آل إليها الصراع العربي الإسرائيلي , وما وصلت إليه مفاوضات السلام , دليل آخر على ذلك . من أدبيات فيشي أنها بدلت شعار الثورة الفرنسية ( حرية مساواة أخوه ) إلى شعار ( العمل الأسرة الوطن ) والمتتبع للوضع العربي منذ حركات الاستقلال إلى اليوم يجد أن الأنظمة العربية غيرت أهم الشعارات المطروحة في الخمسينيات وهما الحرية والوحدة وطرحت بدلا منهما التضامن – الذي لم يتحقق يوما – و الاعتدال والاقتصاد والسلام الزائف , ونلمس اليوم ارتماء العرب في أحضان أمريكا مع وجود الدليل الملموس المتكرر عند كل انتخابات رئاسية أمريكية على تحيزها لإسرائيل ومعاداتها للحق العربي , ومع علمنا يقينا أن أمريكا تحتل أرضا ومياها عربيه وهي شريك فعلي للمحتل الإسرائيلي .
حكومة فيشي الفرنسية مثال على الخيانة الوطنية , وان وجد من يبررها جدلا , فالأنظمة العربية التي قضت على آمال الوحدة والحرية عند مواطنيها تشبهها إلى حد كبير , والمواطنون العرب اليوم لا يجدون حرجا في التعبير عن ذلك جهارا نهارا . التياران القومي والإسلامي , وما ينبثق عنهما من أحزاب , ووجودهما معا على الساحة العربية وما يشكلانه من محصلة في النضال الوطني العربي , ليسا بأحسن حال من الأنظمة العربية , ولم يسلما أيضا من النقد الحاد من الجماهير العربية المستقلة التي تنشد فكرا وحدويا وتحرريا قابلا للوجود والتطبيق . عانينا جميعا من خطأ في الاجتهاد السياسي مابين عبد الناصر والإخوان المسلمون قديما , واستمرت تلك المعاناة , وبرزت ثنائية قاتلة من القومي والإسلامي لا حل لها إلا بالمراجعات العميقة لكلا التيارين وخاصة الإخوان المسلمون وعليهم الاستماع بكل انتباه لما يثار حولهم من شكوك وريبة . كما تخلص الفرنسيون من ذهنية حكومة فيشي سيتخلص العرب من تلك الذهنية بالنضال ضدها .. وان غدا لناظره قريب .
abedabed1944@yahoo.com