أضف إلى المفضلة
السبت , 18 أيار/مايو 2024
السبت , 18 أيار/مايو 2024


نهاية الظلم وهلاك المتكبرين
11-02-2012 08:52 AM
كل الاردن -

alt

الدكتور عبدالناصر جابر الزيود

  سورة في كتاب الله قليلةٌ آياتها،كبيرٌ حدثها، عظيمٌ مدلولها،تنبئ وتخبر عن نهاية الظلم،وهلاك المتكبرين والظلمين لا بسلطان البشر وقوتهم،ولكن بقوة الله وحده.تؤكد هذه السورة القرانية ألا قوة فوق قوة الله،وأن القوى الظالمة مهما تجبرت وطغت فنهايتها الفناء.يقول تعالى:(أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ).أي ما رأيت من قدرة الله وعظيم شأنه وأدلة توحيده وصدق رسوله محمد صلى الله عليه وسلم.(أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ).أي في خسارة.(وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ).أي جماعات متفرقة تحمل حجارة مطبوخة (مِّن سِجِّيلٍ).أي من طين فرمتهم وتبعتهم فصاروا.(فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ).أي كورق زرع أكلته الدواب وداسته بأرجلها.فقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال:أقبل أصحاب الفيل ومعهم الفيل،حتى إذا دنوا من مكة استقبلهم عبدالمطلب جد النبي صلى الله عليه وسلم فقال لملكهم:ما جاء بك إلينا،ألا بعثت فنأتيك بكل شيء أردت؟ قال:أخُبرت بهذا البيت الذي لا يدخله أحد إلا أمن،فجئت أخيف أهله، فقال:إنا نأتيك بكل شيء تريد فارجع،فأبى إلا أن يدخله،فقال: عبدالمطلب:إن هذا بيت الله تعالى لم يُسلط عليه أحداً،قالوا:لا نرجع حتى نهدمه،وانطلق يسير نحوه.فقال عبدالمطلب اللهم إن لكل إله حلالاً وحمى،فامنع اللهم حلالك وحماك.فلما وصل جيش ابرهة إلى قريب من الحرم برك الفيل وحبسه الله عن مكة فأبى أن يدخل الحرم،فإذا وجه راجعاً أسرع راجعاً،وإذا وجه على الحرم أبى، وجعل الله كيدهم في تضليل،فأقبلت مثل السحابة من نحو البحر طير صغار بيض،أبابيل،لها خراطيم كخراطيم الطير وأكف كأكف الكلاب،في أفواهها حجارة أمثال الحمص سوداء بها نضح حمرة،في منقار كل واحد منها حجر، وحجران في رجليه،فأقبلت حتى أظلتهم فجعلت ترميهم بها،ولا تصيب شيئاً إلا هشمته،فجعل الفيل يعج عجاً،فجعلهم الله كعصف مأكول،لا يقع منها حجر على أحد منهم إلا تفطر مكانه.وأرسل الله إليهم سيلاً فذهب بهم وألقاهم في البحر.وفي فجر ذلك اليوم العظيم الذي رد الله فيه كيد أصحاب الفيل،ولد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
ما هي الدروس والعبر المستفادة من هذه القصة التي وردت في القران الكريم وهي قصة اصحاب الفيل: أول هذه الدروس:أن حادثة الفيل تؤكد أن القوة جميعاً لله،وأن قوة البشر مهما بلغت تتضاءل أمام قوة الله،وتكشف القصة والحادثة عن ضعف البشر مهما تجبروا وأتوا من قوة فلن يبلغوا ولو جزء بسيط من قوة الله الله عز وجل.فماذا استطاع ان يفعل ابرهة الاشرم بكل قوته وجبروته وما معه من سلاح ورجال لهدم بيت الله الحرام مقابل طيور سلطها الله عليهم ترميهم بحجارة بحجم الحصى الصغيرة فأبادتهم ابادة.فلقد أرعد وأزبد أبرهة وأقسم ليهدمن الكعبة،وليصرفن العرب في الحج إلى الكنيسة التي بناها في صنعاء،وكتب إلى سيده في الحبشة يقول:إني قد بنيت لك أيها الملك كنيسة لم بين مثلها،ولست بمنته حتى أصرف إليها حج العرب.وشكل جيشاً عظيماً تتقدمه الفيلة،فتجهز النصارى وساروا بقيادة أبرهة بجيش عرمرم،فتسامعت العرب بمخرجه،فعظموا بيت الله ورأوا قتال أبرهة والتصدي له،وإن كانوا أقل منه شأناً،وتعرضوا له بالحرب،ولكنه انتصر عليهم بقوته البشرية،حتى بلغ بيت الله الحرام وانتهت دونه الحماية البشرية ولم تبق إلا قوة الله والحماية الالهية،ولم يبق من ناصر أو معين قادر على دفع الظالمين إلا الله عز وجل.وأنى لقريش مع ضعفها أن تصمد لجيش حطم من قبلها قبائل كثيرة.وكان من رجحان عقل عبدالمطلب أن يطلب من قومه الخروج من جوار الكعبة،إذ لا قبل لهم بأبرهة وجيشه،ويقول قولته المشهورة:أنا رب الإبل وللبيت رب يحميه،وأن توكل حماية البيت إلى ربه الآمر ببنائه ،وقد كان،فجاءت جنود الله تحمل العذاب الأليم لهؤلاء المستكبرين وكانت النهاية لهؤلاء القوم.اما الدرس الثاني من الدروس المستفادة من قصة الفيل:أن الظلم وان كان له صولة وجولة ودولة فان مصيره النهاية هو واهله وهذا وعد من الله أفلم يهلك الله عز وجل قوى قد سبقت هذه القوة ولكن هذه القوى حُطمت،وقُرى أهُلكت،وديار أطلالها موحشة تحكى قصتها كما قال تعالى:(وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلاً وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ).فإن الاعتقاد بتخليد قوة مهما بلغت وديمومتها وبقاء الظلم واهله ظن خاطئ يكذبه الواقع،وتشهد بخلافه السنن الكونية،فأين عاد التي لم يخلق مثلها في البلاد؟وأين ثمود الذين جابوا الصخر بالواد،وأين فرعون الذي قال:ما علمت لكم من إله غيري،وقال:أنا ربكم الأعلى؟وأين قارون الذي آتاه الله كنوزا عظيمة.وقال:إنما أوتيته على علم عندي؟فكل هؤلاء أهلكوا وبادوا. ومن الدروس المهمة جدا المستفادة من حادثة أصحاب الفيل أن العرب لا يساوون شيء بدون الإسلام،فلم يكن لهم دور في الأرض أو شأن يذكر،لم يستطيعوا حماية البيت،ولم يشأ الله أن يحمي بيته المشركون،ولكنه بعث فيهم رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ،تكون الكعبة قبلته،فعظم العرب هذا البيت المحمي من قبل الله وزاد ذلك من تقدير العرب لقريش حتى إذا بعث النبي منهم كانت حادثة الفيل إرهاصاً لمولده وبعثته صلى الله عليه وسلم.وتحت راية الإسلام ولأول مرة في تاريخ العرب أصبح لهم دور عالمي يؤدونه ،وأصبحت لهم قوة،حملوا عقيدة إلى البشرية رحمة وبراً بها،ولم يحملوا قومية ولا عصبية،حملوا دين الله يعلمونه الناس،لا مذهباً أرضياً يُخضعون الناس لسلطانه.
فمن الواجب علينا كعرب ان اردنا ان نستعيد عزتنا ومجدنا ان نعود إلى ربنا عز وجل ونتمسك بدينه ونعلم اننا لا نساوي لا شيء بدون دين الله عز وجل،والتمسك بهذه العقيدة التي جاء بها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. ولنعلم ان حادثة اصحاب الفيل لا تعني أن يتعطل المسلمون عن فعل الأسباب المشروعة لمقارعة الباطل والظلم وأهله،فالقرآن واضح بالأخذ بالأسباب.ولكنها تؤكد عدم الاستسلام للباطل والظلم مهما انتفش أصحابه ،وتؤكد عدم اليأس من نصر الله حين يستضعف المسلمون إذا ما صدقوا مع ربهم.كما تؤكد عدم الإحباط عند رؤية القوى الكبرى تبطش وتقهر،فربك للظالمين بالمرصاد،وهو يمهل ولا يهمل،وأخذه أليم شديد،وأمور الكون بيده،وهو واهب القوى،والقادر على نزعها لحكم قد يعلم البشر بعضها،وقد يخفى عليهم الكثير منها.اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين،اللهم عليك باعدائك أعداء الدين،اللهم شتت شملهم،وفرق جمعهم،واجعل اللهم الدائرة تدور عليهم يا ذا الجلال والإكرام.واجْعَلْ اللهم بَلَدَنَا هَذَا آمِنًا مُطْمَئِنًّا وَسَائِرَ بِلاَدِ الْمُسْلِمِينَ،اللهم من أراد بنا وببلدنا خيرا فوفقه لكل خير،ومن أراد بنا وببلدنا شرا فخذه اخذ عزيز مقتدر واجعل كيده في نحره وتدميره في تدبيره.وصلي اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه صلاة وتسليما كثيرا إلى يوم الدين.

جامعة العلوم الاسلامية العالمية
كلية الشيخ نوح القضاة للشريعة والقانون

jaberabd@yahoo.com

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012