أضف إلى المفضلة
الأحد , 05 أيار/مايو 2024
الأحد , 05 أيار/مايو 2024


الوحدة آخر الليل

بقلم : عامر علي الشقيري
13-04-2018 05:59 AM

ترنح بضع خطوات على الجهة المقابلة لي قبل أن يهوي بجسده على الرصيف ثم أخذ يسعل بشدة ويقذف البصاق عن يمينه وشماله كيفما اتفق، ظهر في ذلك الشارع كشبح متقاعد خارج التأمين، جلس ممسكا بكيسه الأسود الكبير الذي يرقد بين ساقيه كطفل مهذب..انتظرته حتى أشعل سيجارة وأخذ يجذب منها نفسا عميقا ويطلقه في الهواء كما لو أنه قاذف للصواريخ.. قلت في نفسي: ربما هو تعب ومنهار تماما إلى ذلك الحد الذي دفعه لتجاهل حاوية القمامة الزاخرة بالقاذورات والتي تقع على مقربة منا أو انه أجلها ليصحو من قيلولته ويبدأ بها كوجبة أخيرة.
لم يحدث أيا من ذلك.فقط واصل العجوز إشعال السيجارة تلو الأخرة وراقبته مدفوعا بشفقة عظيمة لا سيما عندما أخذ يحدق في النجوم الطازجة التي نبتت للتو في وجه السماء، وأدركت حينها كيف يزهد الإنسان بكل شيء آخر العمر ويكون مستعدا لقضاء ليلة كاملة في تأمل السماء والتدخين بصمت ووقار كما ينبغي لرجل أنهكته حكمة الشوارع والطرقات وتساءلت :أي هواجس صغيرة تفور في رأسه؟
لم يغره منظر الحاوية.. تكاد تنفجر من كثرة ما تحويه. ها قد انتصف الليل. ما الذي يفعله هذا العجوز المثير للشفقة؟ كيف يطيل التحديق في النجوم وينسى قوت يومه هكذا.. سأتصرف حالا وأجعله يندم.
قطع سيل الأسئلة تلك هدير الشاحنة التي اصطفت قبالتي وبدأت بإفراغ نفايات الحاوية في جوفها وتحركت ببطء.. لكن أين ذهب العجوز؟
يا الهي لقد صافح السائق ! وها هو يلوح لي من الخلف وسط كل تلك القمامة التي في الشاحنة!.. أخذت الشاحنة تبتعد رويدا رويدا وكنت وحيدا وموحشا على الرصيف ..ممسكا بكيسي الأسود الذي يستقر بين ساقي كطفل مهذب.الدستور

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012