12-01-2012 08:42 AM
كل الاردن -
حسن بلال التل
منهمك منذ أيام في حالة نقاش شبه مستمر مع أحد الاصدقاء. الصديق بدأ النقاش بحديثه عن استشعاره لخط وخطة لدى الحكومة تهدف الى تهميش المحافظات والحراكات الشعبية فيها لحساب الأحزاب والقوى والشلل العمّانية, أملا في استخدامها لإنهاء الحراك الشعبي, ويدلل على ذلك بالدلال المفرط الذي يبديه الرئيس الخصاونة للإخوان, وعدد محدود من قوى عمان, خاصة تلك التي يترأسها رسميون سابقون. عدا عن أن شهرين كاملين انقضيا دون أن تغادر الحكومة العاصمة.
من جانبي رغم أنني معترف بأدلة الصديق, لكن وبصورة نادرة كنت استشعر بعض التفاؤل, وهو تفاؤل غير مبرر ولا دليل عليه, لكن قناعتي أن الدولة –رغم رغبتها المفهومة بإيقاف الحراك- أذكى من أن تسلم رقبتها لجهات أبسط مطالبها هي حصة ثابتة من الحكم ونزع كل سلطات الملك, وتصل الى التهديد الصريح بالعمل لإسقاط النظام ولو بالتعاون مع الشيطان, خاصة وأن حراك المحافظات أثبت في عدة مناسبات أنه أكثر نقاء وصدقا وحرصا على كيان الدولة من مجمل القوى السياسية بخاصة العمّانية, ما يجعلني اعتقد أن الدولة (حابرة) على تحرك ما من شأنه رد كل من يهدد وجودها إلى الحظيرة وبيت الطاعة, خاصة أن معظم المتنمرين الجدد مصائبهم أكثر من خيرهم, وتاريخهم وملفاتهم معلومة لدى رجل الشارع قبل الرسميين.
الصديق يقول أيضا: إن لديه معلومات أن لدى الحكومة مخططا قد يحتاج إلى سنتين لتنفيذه سينتهي بالقضاء على أي حراك سياسي أو مطلبي قد ينفجر من الأطراف, أو ببساطة أن الدولة لن تسمح لا بهبة نيسان جديدة, ولا ثورة خبز, ولا ربيع أردني, وستخصي كل (ما ومن) من شأنه أن يمهد لهذه المسألة ولو بعد حين. ورغم أن حجته منطقية –وتعززها تصريحات الرئيس حول تأخير الإنتخابات- فإن أمرا كهذا أكبر وأصعب من أن تستطيعه أية قوة, فالتاريخ أثبت أن الشعوب أقوى وأعند من ذلك, لكن يبقى الاحتمال واردا, فهذه المحاباة المفرطة لشلل عمان تبقى غير مريحة.
على الجانب الآخر, وبعد أحداث المفرق ومن ورائها جمعة المليشيات, ثم ما حدث في الجمعة الأولى من العام, اختلفت الصورة لدي, فبعد أسابيع من التحضير: في عمان, بالكاد وصل العدد في تظاهرة الحسيني والنخيل الى 600 شخص, وفي اربد عندما لم يجد طيف من الإصلاحيين من يستفزونه انتهوا بالإعتداء على بعضهم البعض, وفي الكرك ونكاية بالإخوان, احتفى الحراك بصدام حسين وهاجموا حماس!!.. بعد هذه المشاهد قلت إن الحراك ينتحر لفقدانه الشرعية الشعبية والخطة والمنهجية, وعدم قدرته على تأمين البدائل أو وضع خطط قابلة للإنجاز!! لكن بعد (صفنة) طويلة رأيت أن في الصورة ما هو أكبر من ذلك.
لقد بدأت أقتنع بحديث الصديق بل تجاوزته, لقد تشكلت لدي الصورة التالية: الإخوان عامة أذكى و"أشطر" من أن يدخلوا في مواجهة بهذا الإتساع مع الدولة والعشائر, وحراكات عمان أضعف من أن تعيش أو تحكم وحدها, حتى وإن نجحت في انجاز أشد مطالبها شططا, وهذا الاستخذاء من جانب الدولة والإفراط حد التفريط في "الأمن الناعم", والحوار, وتضييع هيبة الدولة رغم أن الشارع كله يضج بضرورة أن تستعيد الدولة دورها وهيبتها ولو بالقوة, غدا غير مفهوم.
إذن لماذا هذا الوضع؟.. أظن أن الدولة اتفقت مع الجماعة وسواها على التصعيد إلى هذا الحد ليشيطن الإخوان وقوى عمان أنفسهم بأيديهم -مقابل مصالح ومكاسب ذاتية- وبالتالي يشيطنوا معهم أجزاء من الحراك حتى تصبح مرفوضة شعبيا كلية, ثم تسقط مسقطة معها مجمل الحراك, ليعود هؤلاء ويجروا انقلابات داخلية تبرز وجوها شعبية أو معتدلة تعيد لهم وضعهم الطبيعي في الشارع بعد أن يكونوا قد حازوا ما يريدون من مكاسب, وقدموا للدولة جثة الحراك الشعبي على طبق من ذهب.
أعلم أنه سيناريو مغرق في نظرية المؤامرة, لكنه ليس ببعيد, والدلائل على وجوده أو على الأقل على ملامحه موجودة, فهل هذا الوضع ممكن؟ وهل يتنبه الحراك الشعبي المعتدل لهذه الاحتمالية قبل أن يساهم بنفسه في قتل نفسه فيسقط ويسقِط الإصلاح؟؟... لست أدري!!