أضف إلى المفضلة
السبت , 18 أيار/مايو 2024
السبت , 18 أيار/مايو 2024


رسائل بيروت 2

بقلم : ناهض حتر
16-09-2012 11:30 PM
في بيروت اليوم تتقاطع الخيوط الإقليمية والدولية والمعلومات والآراء وعلامات الاستفهام وإشارات التعجب.... على كل حال ـ وربما بسبب هذه الحال بالذات ـ البلد آمن إلى الحد الذي جعل من زيارة بابا روما إلى لبنان، أقرب إلى مهرجان جماهيري حاشد ومتنقّل، من دون أن ألحظ ذلك الوجود الأمني المتوتر المتوقّع. ولعل ذلك يكون ردا عملياً على الحملات الخليجية المشككة بالاستقرار اللبناني.
بضعة سلفيين متشنجين هتفوا في طرابلس ضد الزيارة الرسولية، لكن صاحب العرس كان حزب الله وحركة أمل والهيئات الشيعية الدينية والأهلية؛ كان الضيف ضيفهم بأكثر مما كان ضيف الكنائس الكاثوليكية. وهو ما يجعلنا ننتقل توا إلى البعد السياسي للزيارة البابوية.
زيارة البابا الكاثوليكي إلى لبنان، تأخرت سنة كاملة عن زيارة بطريرك موسكو الأرثوذكسي إلى دمشق. إلا أن الزيارتين جاءتا في السياق نفسه: مسيحيو المشرق خط أحمر. وهذا يعني، عمليا، أن تغيير المعادلات السياسية التي تضمن شراكة المسيحيين هي، أيضا، خط أحمر. دان البابا توريد السلاح إلى الإرهابيين في سورية، وأعلن إرشادا رسوليا لمسيحيي المشرق من أجل البقاء والتسامح والإخاء والتفاعل السياسي في إطار بيئاتهم العربية.
هذا البعد بالذات هو الذي استفزّ القَطريين ودفعهم إلى التنديد الشديد بالزيارة البابوية إلى لبنان في بيان أصدره الشيخ يوسف القرضاوي. أيظنون حقا أنه يمكن استنساخ مصر والشمال الإفريقي في بلاد الشام بقيمها الحضارية العميقة القائمة على التنوّع والتعددية في إطار العروبة؟
لكن، مَن يأبه اليوم لقَطر والقرضاوي وعزمي بشارة إلخ. اللعبة انتهت! وسورية تتحضّر للهجوم الإقليمي المعاكس؛ لقد سددت دمشق وحواضر سورية، بالدم، إتاوة التاريخ بالكامل، وحجزت مقعدها الأساسي في المحور الدولي الجديد الذي يمتد من بكين إلى بيروت. بالمقابل، ستتفرّغ الولايات المتحدة لإعادة هيكلة الخليج سياسيا. والسؤال المطروح الآن يتعلق بالأردن الذي سيجد نفسه معزولا بين كتلتين جيوسياسيتين، الهلال الخصيب من جهة والخليج من جهة ثانية.
النظرة المسيطرة إلى الأردن اليوم هي أنه 'مرتبك' في لحظة تحتاج إلى الحزم والرؤية والقدرة على اتخاذ القرارات الاستراتيجية. وهو ما يجعل الآخرين يرتبكون في التعامل معه.
على مدى 18 شهرا من عمر الأزمة السورية، عملت عمان على استرضاء الخليجيين والغربيين بتصريحات علنية وتحركات من تحت الطاولة، لكنها لم تتورّط في سورية. وهذا، في الحسابات الإقليمية والدولية، ليس بالقليل، ويراكم، موضوعيا، في رصيد الأردن. إلا أن الأردنيين لم يتقدموا بعد، لدهشة المراقبين، للسحب من هذا الرصيد لا سياسيا ولا اقتصاديا، بينما الأطراف المستعدة للتعامل الإيجابي مع المطالب الأردنية، عديدة ومستعدة: الصين وروسيا وإيران والعراق. بل وهناك ما هو أكثر من الدهشة إزاء شلل الدبلوماسية الأردنية التي لم تستطع حتى الآن إحداث أي اختراق سياسي لدى القوة الروسية الصاعدة، أو استعادة العلاقات الأردنية ـ العراقية، أو تأمين مظلة للصراع مع الإخوان المسلمين أو وضع حد للمشروع القَطري الحمساوي لاصطناع الفوضى في ' الضفتين' مقدمة لإعادة تركيبهما في سياق إسرائيلي.
عمان، مهما فعلت، غير مقبولة كجزء من الحلف الخليجي، ولن تحصل منه إلا على الفتات الممزوج بالمنّ، ولديها، بالمقابل، رصيد تكوّن لدى الحلف المضادّ، بينما تخشى السحب منه. وبين الخيارين، لا يوجد سوى الارتباك والغَرق في تفاصيل كالتي يتقنها فايز الطراونة وأشباهه؛ التعيينات الاستنسابية والتخطيط للاستيلاء على أموال الضمان الاجتماعي والصدام مع الإعلام واعتقال شباب الحراك ... الخ حتى لو أدى ذلك إلى تجريح الشيء الوحيد الصحيح الذي نفعله ونحتاجه في مواجهة التطورات، أي التحضير للانتخابات النيابية.

التعليقات
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012