أضف إلى المفضلة
السبت , 18 أيار/مايو 2024
السبت , 18 أيار/مايو 2024


ميثاق وطني جديد مدخل لحل الأزمة

بقلم : مروان المعشر
16-09-2012 11:54 PM
لا بد من الاعتراف، ان البلاد تمر بأزمة سياسية واقتصادية عميقة، لم تشهدها منذ العام 1988. وهي أزمة اكبر من ان تحل بإجراء انتخابات، وفق قانون لا يحظى بتوافق وطني، بل ان إجراء الانتخابات وفق هذا القانون سيعمق الأزمة. وهي كذلك ازمة اقتصادية لن تحلها منحة سعودية، قد تأتي او لا تأتي، وإن اتت فلن تكفي لسد عجز موازنة، فاق الإنفاق فيها قدرة الدولة دون خطة واضحة للسنوات القادمة، لمعالجة الوضع الاقتصادي المتدهور.
واضح ايضا ان الاستمرار بمعالجة الامور سياسيا، وفق سياسات إقصائية، تفترض امكانية الانفراد بصنع القرار، واقتصاديا من خلال تحميل المواطن مزيدا من الأعباء الاقتصادية، دون خطة وطنية واضحة، للخروج من النفق غير ممكن، دون مخاطر حقيقية بات الجميع قلقا منها.
هناك فارق رئيس بين ازمة 1988 والأزمة الحالية. حينها ايضا كانت الحكومة تنفق فوق طاقتها، متعللة بمساعدات عربية موعودة، ستقلص عجز الموازنة. ولما لم تصل هذه المساعدات، وانخفض الدينار الى النصف بين ليلة وضحاها، وتلاشت الاحتياطيات من العملة الاجنبية، اضطرت الحكومة الى توقيع اتفاقية مع صندوق النقد الدولي بشروط قاسية، ادت الى أحداث معان، بعد رفع الحكومة لأسعار المواد النفطية. كيف عولجت الأزمة حينذاك؟ ادرك جلالة المغفور له الملك الحسين ان الأزمة سياسية، بقدر ما كانت اقتصادية، فكانت المعالجة سياسية بامتياز. فشهد العام 1989 انفتاحا سياسيا، نتج عنه اجراء اول انتخابات عامة منذ عقدين وتوسيع قاعدة صنع القرار، من خلال برلمان مثلت فيه المعارضة الاسلامية والمدنية بأربعين بالمائة من المقاعد. ثم تلا ذلك تشكيل لجنة وطنية ممثلة انتجت ميثاقا وطنيا، عكس تطلعات كافة فئات المجتمع وطمأنها على شكل الاردن، الذي نريد، حاويا لكافة ابنائه وبناته دون إقصاء فكر او مجموعة. ثم تبع ذلك سلسلة من التشريعات اعادت السماح للأحزاب السياسية بالعمل، ورفعت سقف الحريات الصحفية، وخلقت مناخا بات المواطن يشعر فيه ان صوته مسموع ولو ان معدته خاوية.
لم تكن المعالجة اقتصادية في اغلبها، بل ان الوضع الاقتصادي تدهور اكثر في العام 1990، جراء انقطاع كافة المساعدات العربية والأميركية. لم يتظاهر الناس ضد الحكومة بسبب تردي اوضاعهم الاقتصادية. لماذا؟ لأن عامل الثقة بين الحكومة والناس كان متوفرا، اضافة الى الشعور بوجود مجلس نواب قوي، يستطيع الشعب من خلاله ايصال صوته لصاحب القرار، ما مكننا من تجاوز أزمة الخليج مع كل صعوباتها.
الوضع مختلف اليوم. الثقة بين الناس والحكومة شبه معدومة، بل إن الحكومة تصر على إرسال اشارات مفادها انها لا تكترث لرأي الناس، فالانتخابات بمن حضر، وضعف الاقبال على التسجيل سببه رمضان، ومعارضة قانون الانتخاب مقصورة على الاسلاميين، والرقابة على المواقع الالكترونية متماشية مع العصر، ورفع الأسعار دون خطة واضحة او حتى إعادة النظر جذريا في الإنفاق الحكومي المدني كما العسكري واجب وطني. ونستغرب بعد ذلك لماذا وصل المزاج العام درجة من السلبية، لا يحتمل الاردن إبقاءها على حالتها دون معالجة.
نمر بمرحلة على الجميع فيها تحمل مسؤولياته. لقد وصلنا لوضع سياسي واقتصادي لا يستطيع أي طرف معالجته منفردا. إن ادراك هذه الحقيقة بداية الحل، كما ان انكارها او المكابرة بالاستمرار باتباع السياسات الإقصائية سيؤدي الى نتيجة من واجب كل مخلص لهذا البلد العمل لتفاديها.
هناك قوتان منظمتان في هذا البلد، سلطة تنفيذية، هيمنت على عملية صنع القرار، وحكمت البلاد بشكل شبه منفرد، ولم تول موضوع التعددية السياسية اهتماما يذكر، ومعارضة اسلامية، يخاف الكثيرون ان تكون درجة التزامها بالتعددية لا تختلف عن السلطة، وانها التزام لفظي، الهدف منه الوصول الى السلطة ثم احتكارها والتخلي عن التعددية، إذا تضاربت مع مفهوم هذه القوى للدين. وبين الاثنتين غالبية من الناس تريد حاكمية رشيدة وعدالة في تطبيق القانون على الجميع، وسياسة اقتصادية تؤدي لنمو يطال كافة الناس، ولا يغفل الفئات الاقل حظا، وبعد كل هذا وذاك، حكما، لا يؤدي للاستئثار بالسلطة من أي كان بل يستمد سلطته من ارادة الشعب.
تبدو الحاجة ملحة اليوم لمعالجة سياسية واقتصادية جذرية للأزمة، التي نعانيها اليوم، يمكن ان تتحقق من خلال ميثاق وطني جديد، يذهب الى ابعد مما توصل اليه ميثاق العام 1990 من ناحية:
- الالتزام بعدد من التشريعات، التي تؤدي الى إعادة تقاسم السلطة وتوسيع قاعدة صنع القرار، ضمن خريطة طريق زمنية واضحة، تشمل قوانين الانتخاب (للنواب والأعيان) والاحزاب والحريات العامة والحريات الفردية وعدم جواز سن تشريعات، تحد من هذه الحريات، طالما أنها لا تتعدى على حريات الآخرين.
- سن تشريع واضح وصريح بمنع تدخل الأجهزة الامنية في الحياة السياسية، تحت أي مسمى وتجريم ذلك.
- الالتزام بالتعددية السياسية والثقافية والدينية من قبل الجميع، وعلى رأسهم الحركات الاسلامية. فبالدرجة المطلوب فيها من السلطة التنفيذية إدراك أن الدولة لا يمكن ادارتها كالسابق بشكل يحتكر فيه القرار، فمطلوب ايضا من الحركة الاسلامية ايضاح موقفها من التعددية، بشكل لا يدع المجال للبس، وعن طريق التقنين. نعم، مطلوب من الحركة الإسلامية، التي عانت من كثير من السياسات الاقصائية للحكومات المتعاقبة، إعلان التزامها الراسخ وغير الخاضع للتغيير بالتعددية، وستجد الكثيرين، ممن يخالفونها الرأي، مدافعين عن حقها في العمل السياسي. والعكس صحيح ايضا، حيث ستجد الكثيرين ممن يؤيدون دعوتها للحاكمية الرشيدة، غير مستعدين للدفاع عنها، إن شعروا ان هدفها النهائي احتكار السلطة كما احتكرها الآخرون.
- الاتفاق على خطة اقتصادية تفصيلية وخاضعة للمراجعة الدورية، قوامها المعالجة العلمية والمنهجية لمواضيع مثل البطالة وعجز الموازنة والدين العام، وبحيث يتم مراجعة كافة اوجه الإنفاق ومراقبتها دون محرمات، وبحيث تؤدي الى نمو مستدام، يطال الجميع ويعطي الفئات الأقل حظا الاهتمام الذي تستحق.
ضمن مثل هذا الاتفاق الجامع، ستتمكن الحكومة من اتخاذ قرارات صعبة، مثل رفع الاسعار لدى الحاجة لذلك، في ظل توافق وطني، بما ان الجميع، بما في ذلك الدولة بكافة مؤسساتها، شريك في المسؤولية، وضمن خطة اهدافها ووسائل نيل هذه الأهداف واضحة للجميع، وخاضعة للمراقبة والمساءلة الحقيقتين. بغير ذلك سيبقى المواطن يشعر ان المشاكل تحل على حسابه ولصالح اوجه إنفاق لا تخضع دائما للرقابة.
لقد تم تأجيل العديد من هذه المواضيع عقودا من الزمن، حتى وصلنا لوضع لم يعد التأجيل فيه ممكنا، دون جلب مخاطر حقيقية على البلاد. يتطلب هذا حكمة استثنائية من الجميع، ممن هم داخل السلطة وخارجها، من موالين ومعارضين، ومن مدنيين وإسلاميين. وإن ادرك الجميع من موالاة ومعارضة استحالة احتكار السلطة بعد اليوم، يمكن لجهد وطني في هذا الإطار، يقوده جلالة الملك، ان يخرج البلاد من أزمتها.

* نائب رئيس وزراء أسبق ونائب رئيس مؤسسة 'كارنيغي' للسلام الدولي


(الغد)

التعليقات

1) تعليق بواسطة :
17-09-2012 12:51 AM

شبع سفارات وشبع وزارات .
مثله مثل غيره ,,, بعد الشبع تأتي التخمة ,,, وبعد التخمة يأتي الإسترخاء ,,, وبعد الإسترخاء يأتي النوم ,,, وبعد الشبع من النوم يأتي الإستيقاظ ,,, وبعد الإستيقاظ يبدأ التنظير !!!!!

2) تعليق بواسطة :
17-09-2012 01:08 AM

نود من الدكتور مروان المعشر او اي من الشخصيات الوطنيه المخلصه ان يطلق مبادره وطنيه ذات طابع شعبي تحت مسمى هيئة المشروع الوطني الاردني. تقوم على ضم كافة القوي الحزبيه والاجتماعيه الواعيه والشخصيات ذات الخبره والنزاهه للتدارس لعمل رؤيه وطنيه شامله تراعي الوضع الحالي وتستشرف المستقبل و تعنى ببناء الخطط والاستراتجيات ذات اهداف و جداول زمنيه للنهوض بالوطن في كل الميادين. والعمل على تشجيع الجميع وخاصه الشباب للمساهمه والتعبير عن ارئهم وافكارهم من خلال الاستبيانات و المواقع الالكترونيه ليتمكن الجميع من الوصول والمشاركه وابداء الاراء والافكار الناجحه خاصه من ذوي الخبره. وبذلك نكون قد بنينا وبمشاركه شعبيه واسعه حالة اجماع وطني حقيقي ورؤيه موحده ممثله في هذه الهيئه يمكن ان يحظى يالاحترام الشعبي والرسمي ويصبح مرجعاً ذو مصداقيه للسلطات التشريعيه والتنفيذيه. ندرك صعوبة هذا المقترح ولكن نحلم يوماً ان نرى هذه الهيئه لتكون منبراً للتعبير عن كل الافكار الايجابيه.

3) تعليق بواسطة :
17-09-2012 02:49 AM

كلام منطقي يتفق معه كل حريص على هذا ألوطن .

4) تعليق بواسطة :
17-09-2012 05:57 AM

كلام سليم معاليك

5) تعليق بواسطة :
17-09-2012 07:40 AM

لا يوجد ميزانية تكفي لأي جائع جديد...

خلينا بالشبعانين أحسن!! كما أن الأنالوجي التي ذكرتها يا تعليق رقم واحد تنطبق على كثر فما هو الحل برأيك؟

6) تعليق بواسطة :
17-09-2012 09:57 AM

بعد ما آكلو البلد جاي ينظر علينا الاخ
يا رجل عيرنا صمتك مشان الله

7) تعليق بواسطة :
17-09-2012 10:38 AM

*- كلام ملئ بالايجابيات لكن ..... هدفها انقاذ راس النظام من المسؤولية و لم ينص علنا اعادة موارد البلد المنهوبة و اراضي الدولة المسلوبة كركيزة اساسية لاعادة بناء الاقتصاد الوطني ! لذا فالدعوة هذه بروتوكولية فقط . اصلا ميثاق 89 لم يلغي الاحكام العرفية و الدليل ان محكمة امن الدولة العسكرية ما زالت قائمة و الملكية المطلقة كذلك , و ان نجاح الاخوان في تلك السنة شكل اعادة اصطفاف فقط و ليس اعادة بناء دولة . لذا منذ 90 عاما و نحن لم نرى النور سنة واحدة ليضئ لنا طريقا للحل , الحل الوحيد هو اعادة بناء الدولة من الحضيض لانها وصلت الحضيض فعلاً .

8) تعليق بواسطة :
17-09-2012 11:23 AM

حسبي الله ونعم الوكيل بكل معلق مستفز
حسبي الله ونعم الوكيل بكل معلق مثير للفتنة
حسبي الله ونعم الوكيل بكل معلق مريض
حسبي الله ونعم الوكيل بكل معلق هدفه امن البلد
حفظ الله الاردن الغالي ومليكه وشعبه

9) تعليق بواسطة :
17-09-2012 11:53 AM

نعم هذا كلام سليم ويساعد الاردن على الخروج من أزمته

10) تعليق بواسطة :
17-09-2012 12:32 PM

بتحكي صحيح انت د مفكر معجب فيك بس مشكلت الاردن في السحيجه

11) تعليق بواسطة :
17-09-2012 02:10 PM

المقالة تحتوي على فكرا ومبدا وعقيدة .. وايمان ؟.. كتبت برؤية للواقع وفق منظور واقعى ولغة للكتابة تحتوى على نبرة صادقة لكنها متشنجة مع النفس و مع الاخر احيانا كثيرة . في النهاية لا تعطيك قناعة بحلول او مناعة ضد عدم تجدد الخوف على الوطن وعلى المواطن ، بل تسلمك للقهر ثم للسقوط والغرق عند الانتهاء من قراءتها ، 90% من الاحتقان المرير الذي يعاني منه الشارع الاردني ورفعه كل حراك من البداية هو محاسبة الفاسدين ومن سرقوا مقدرات الوطن ، غاب عن ذكرهم الكاتب او التطرق لمحاسبتهم ، تبدوا الحلول ايجابية في طرحها لكنها تعني عفا اللة عما مضى ، وتعالوا نبدا من جديد ، نرسم خارطة طريق لاصلاح شامل دون ردع الفاسد الذي نهب وسلب وباع .
لهذا المقالة عبارة عن تفريغ لتناقضات وتصفيات فكرية لواقع معلوم ومحسوس تطرق له الكاتب بواقعية لكنه انحاز بالنهاية الى تحييد سياسة شمولية يدرك تماما انها فشلت بقرارات فردية بادارة مؤسسات البلاد بالكامل مع انه بمجاملة سطحية تطرق لانتقادها .
الحديث عن ميثاق وطني شامل ومنقذ ، اساسيات البدء به هو ابعاد الكثيرين من النخب السياسيه العاملة حاليا . التى انتقدها دائما على انها تحمل عقليات تقليدية متحجرة تغلبها الانانية وتتستر خلف مسيرة لتجارب فاشلة وفساد مستشري . وللاسف كل الشواهد تقول ان بقاءهم حتميا بعد اقرار قوانين لحمايتهم اهمها قانون انتخاب النائب وقانون المطبوعات والنشر ..
لهذاوليس من منظور سلبي كل ايجابيات الطرح في المقالة مع اننا نتمناها إلا ان مصيرها هو الفشل .
ساحة القراء ممتلئة بجيل جديد ، على الجميع ادراك هذه الحقيقة جيل يعي ان الكلمة الصادقة مخاضها عسير وكلما كان عسير كانت أكثر صدقا واصدق تعبيرا ووصولا واقناعا ، المثالية و الخطابة والتلقين و الحلول والتحاليل الانشائية عصرها ولى الى غير رجعة .

12) تعليق بواسطة :
17-09-2012 07:11 PM

كلام موزون وطيب ولو انه الحد الادنى الذي يفكر به المواطن الطامح لان تكون بلده في مقدمة البلدان في الحرية المحسوبة والديمقراطية التي تكون حرية التعبير فيها
في المقدمة ويستطيع المظلوم ان يقول لاللظالم وللسارق من اين لك هذا؟
لكن هل يستجيب صانع القرار ..؟

13) تعليق بواسطة :
17-09-2012 07:55 PM

بدون شك لم اقرا رؤية عن الازمه الاردنيه افضل توازنا و عمقا مما يحتوي هذا المقال. تشخيص دقيق للمشكله والحل هو اشراك الجميع بالسلطه و ليس بالضروره بمستوى الاشتراك الذي حصل في 1989 ولكن على مستوى اعلى و اوسع. اضن ان د. المعشر استوحى بما حصل في 1989 كدليل على نجاح الحل و ليس لنسخه بتفاصيله الان

14) تعليق بواسطة :
17-09-2012 08:14 PM

وهذا الحكي ليش ما تفضلت فيه قدام الملك لما كان بالسلط امس بما انك رجل دولة ومحل ثقة للملك

ودمتم

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012