أضف إلى المفضلة
الأحد , 19 أيار/مايو 2024
الأحد , 19 أيار/مايو 2024


التوقيت الشتوي وولاية الحكومة الدستورية

بقلم : د. رحيّل غرايبة
31-10-2012 11:36 PM
أقدمت الحكومة على قرار متسرع تشوبه الارتجالية بشأن مسألة بسيطة ولكنّها تمس كل مواطن، وذلك بالإبقاء على التوقيت الصيفي في فصل الشتاء القادم، في رسالة تخلو من أيّ معنى، سوى تعمّد 'الحركشة' بالمواطن الغلبان من أجل تذكيره بولاية الحكومة الدستورية العامة وأثرها في حياة الناس، خاصة تلك الفئة التي تضطر إلى ايقاظ الأطفال بشكلٍ مبكرٍ جداً، ليكونوا على أهبة الاستعداد لانتظار باص المدرسة الذي يجوب الشوارع والأحياء قبل بزوغ الفجر.
القرار الحكومي المتسرع لا يشكل أرضية مناسبة لتقبل القرارات المؤلمة المنتظرة برفع أسعار الوقود، بل إنّه يزيد الاحتقان ومنسوب التوتر العالي ابتداءً، وأعتقد انّ الحكومة جانبها التوفيق بهذه الخطوة المفتعلة التي لا يصحبها تعليل مقبول، أو شرح مقنع، كغيرها من الخطوات الحكومية المعهودة التي لا تقيم وزناً لآراء المواطنين ومشاعرهم كونهم الشريحة المستهدفة التي تدفع الضريبة بشكلٍ دائم.
إذا أرادت الحكومة أن تمارس ولايتها الدستورية العامّة، فهناك مجالات كثيرة بحاجة إلى قرارات جريئة، وخطوات حاسمة ، تستحق المعاناة وتحمّل المسؤولية برجولة أهمّها فتح ملفات الإنفاق الحكومي، ووضع خطة محكمة لوقف الهدر في المال العام، وضبط العقود والتعيينات المرتجلة والتخلي عن أسلوب التنفيع على حساب الخزينة العامة والحد من السفرات، وتحديد عدد السيارات الحكومية التي يتمّ استخدامها لأغراض شخصية، فهناك عددٌ كبيرٌ من السيارات الفارهة التي تحمل 'اللوحات الحمراء' تستخدم لتوصيل أبناء المسؤولين وزوجاتهم، وتستخدم لشراء الحاجيات المنزلية من الأسواق، وتستخدم في رحلات التنزه وشمّ 'الهوا'، فلماذا لا يتمّ استحداث نظام صارم يقيد استعمال السيارات الحكومية في الأعمال الوظيفية فقط التي تخدم الشعب، ولماذا يتمّ اللجوء إلى شراء السيارات الكبيرة، ذات السعة العالية التي تستهلك كميات كبيرة من الوقود.
لماذا لا تبسط الحكومة ولايتها العامة على المؤسسات المستقلة، ذات الموازنات الوهمية التي تستهلك جزءاً كبيراً من موازنة الدولة، ولماذا لا يتمّ وضع خطة تقشف محكمة تمنع إقامة الحفلات الاستعراضية لكبار المسؤولين ويملؤها النفاق والتزلف وعبارات المديح والثناء التي لا تقدم شيئاً مفيداً للبلاد ولا العباد، ولماذا لا يتمّ إعادة النظر بالوظائف ذات الرواتب العالية والعقود المشبوهة.
عندما تعجز الحكومة عن وقف الفساد وملاحقة الفاسدين وتعجز عن وقف الهدر في المال العام، وعندما تتقاعس عن وضع خطة معلنة لضبط الإنفاق الحكومي، فلن تفلح في إقناع المواطن بخطوة رفع الأسعار، التي يجب أن تكون آخر خطوة في برنامج عمل الحكومة النزيه والشفاف.
المواطن في الأردن يملك القدرة على التفهم، ويملك طاقة كبيرة في الصبر والتحمّل، ولكنّه لا يستطيع أن يتفهم الاستمرار في السطو على قوته، والاتكاء على جيبه من أجل سد عجز الموازنة في كل مرة، في حين أنّ حجم التهرب الضريبي من قبل الأثرياء والموسرين يزيد على المليار ونصف دينار سنوياً، وأنّ قيمة الهدر في الماء والكهرباء تزيد على 65% حسب بعض الإحصاءات والدراسات المعلنة.
الحكومات دائماً تلجأ إلى التسرع التلقائي بخطوات رفع الأسعار، بطريقة الاضطرار إلى الاسعافات الأولية على مدار عقود وسنوات، ولم نحظَ بأية حكومة تقدم لنا برنامجاً اقتصادياً مدروساً بعناية وتأنٍّ، يشمل حزمة متكاملة من الخطوات والإجراءات المتدرجة، التي تتكفل بإخراج الاقتصاد الوطني من غرفة العناية الحثيثة أو من غرفة الانعاش، كما وصفه أحد رؤساء الحكومات السابقة.
وهنا يجدر التحذير من الإقدام على قرارات متسرعة أخرى في هذا الجانب، مثل اللجوء إلى استخدام السيارات ذات الأرقام الزوجية والفردية بالتناوب؛ لأنّه يشكل معاناة كبيرة للمواطن في ظلّ انعدام شبكة نقل عام محترمة بالحدّ الأدنى.

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012