أضف إلى المفضلة
الأحد , 19 أيار/مايو 2024
الأحد , 19 أيار/مايو 2024


عمان ـ موسكو ـ دمشق

بقلم : ناهض حتر
31-10-2012 11:37 PM
أربع خلفيات أساسية تقف وراء القرار الأردني بالحسم تجاه التعامل مع الرؤية الروسية لحل الأزمة السورية، بما في ذلك مسار التسوية ومكافحة الجماعات المسلحة والإرهابية، وهي:
أولا، ميل موازين القوى المحلية والإقليمية والدولية لصالح الدولة السورية، وتردي ' المعارضة'، شعبيا وسياسيا، وانكشافها عن مجموعات مسلحة معزولة، أصبحت 'جبهة النصرة' التابعة لـ 'القاعدة'، المجموعة الرئيسية فيها، في مقابل صمود وتماسك الجيش العربي السوري وتحوّله القوة العسكرية ـ السياسية الرئيسية في البلاد،
ثانيا، تفكك الحلف المعادي للدولة السورية في طروحات وممارسات متباينة بين الأوروبيين الأقرب إلى الروس، والأمريكيين الحذرين من توطّن القاعدة في سورية، والحلف الخليجي الأكثر تطرفا (السعودية ـ وتتبعها جماعتا الحريري وجعجع في لبنان ـ وقطر الداعمة للإخوان المسلمين ـ ) وتركيا المرتبكة الغارقة في مواجهة التفكك السياسي الداخلي والتحدي التركي،
ثالثا، الضغوط التي مارستها السعودية وقطر ومصر الإخوانية نحو الأردن لجرّه إلى المستنقع، تجاوزت الحدود ، لجهة وقف المساعدات المالية والغاز المصري أو لجهة التصعيد السياسي الظاهر والضمني. وهي ضغوط لا مسؤولة رفضت أن تأخذ، بالاعتبار، المصالح الوطنية والأمنية الأردنية، وأرادت إجبار البلد على الاحتراق الذاتي،
رابعا، بروز مخاطر ما أسميته سابقا 'التغذية الإرهابية الراجعة من سورية' من خلال قرار ' القاعدة ' بتوسيع نشاطاتها إلى الأردن. وهو ما شهدناه في النصف الثاني من شهر تشرين الأول الماضي.
لكن حَسْم الموقف الأردني من الملف السوري لصالح الدولة الشقيقة ضد الفوضى والجماعات المسلحة والإرهابية، ليس انتقالا مفاجئا، وإنما هو ذروة لمسار سياسي صراعي معقّد، تابعناه، خلال العشرين شهرا الماضية، وهو يتكوّن، في قلب الدولة الأردنية العميقة، في رؤية مشتركة تشكلت، شيئا فشيئا، بين البيروقراطية الثقيلة والجيش والأمن والحركة الوطنية والملك. يعني ذلك أننا نجحنا في امتحان توليف السياسات على مستوى الدولة في شأن جيوسياسي. فهل تكون هذه مقدمة لتوليف نهج وطني على المستوى الجيوستراتيجي بالانتقال إلى سياسات خارجية متوازنة تأخذ بالاعتبار المصلحة الوطنية الأردنية العليا في استعادة العلاقات الثنائية الحميمة مع العراق وتوطيد العلاقات مع دمشق وموسكو وبكين وترتيبها مع إيران وحزب الله ؟ لقد أثبت الأردن أنه دولة لا مجرد نظام وجغرافيا، دولة تسلك، في المفاصل، وفقا لمصالحها الوطنية الاستراتيجية، وليس ' كيانا وظيفيا' أو ' كيانا عازلا' كما تقول الدعايات المعادية، ولا أداة معروضة للبيع في السوق ؛ شهرا بعد شهر من تصاعد الأزمة السورية، مورسَتْ ضغوط خارجية جمّة على عمان، لكن عاصمة الأنباط صمدتْ، وفككت شبكة الضغوط؛ سايرتها أحيانا وارتبكت أحيانا، لكنها ظلت تسير في الاتجاه الصحيح: الانتظار والحذر والشك والقلق المسؤول إزاء كل خطوة فيها تورّط، والنقاش المفتوح إلى أن انتهت فترة الغموض، وانقشعت الخطوط المتداخلة في المشهد الإقليمي والدولي، عن السير وراء مصالح الدولة الأردنية في اتجاهها الصحيح مهما كان الثمن.
ما الذي يخبئه الغد؟ لا نستطيع أن نجزم، لكننا عبرنا المرحلة الأولى بأمان. وسيكون علينا بذل الكثير من الجهود إزاء المخاطر اللاحقة المحدقة على الجبهة الشمالية.
ينبغي الانتباه، هنا، إلى أن تفكيك الضغوط الخارجية، ترافق مع تفكيك نظيرتها وحليفتها المحلية من خلال الدعم الجماهيري لإطلاق عملية سياسية انتخابية. لكنه نجاح مهدد، أولا، بمساعي القوى القديمة الرجعية والرأسمالية لاحتلال البرلمان وإعادة إنتاج هيئة لا تحظى باعتراف شعبي، وثانيا، بفرض حلول غير اجتماعية لأزمة المالية العامة مما سيطيح بالإجماع الحاصل على الاستقرار.

التعليقات
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012