أضف إلى المفضلة
الأحد , 19 أيار/مايو 2024
الأحد , 19 أيار/مايو 2024


إلغاء الدعم ..حكومة النسور غير مخوّلة

بقلم : ناهض حتر
05-11-2012 01:00 AM
تدرس الحكومة سيناريوهات تعويض الأسر عن إلغاء دعم الخزينة للمشتقات النفطية والكهرباء. لكن جميع هذه السيناريوهات تظل محصورة في الأطر الفنية، ولا يوجد بينها سيناريو يعتمد الرؤية الاقتصادية الاجتماعية. وهذا متوقع من قبل العقل الاقتصادي للحكومة. وهو عقل نيوليبرالي عاجز عن تقديم معالجة شاملة لأزمة المالية العامة.
تدور جميع السيناريوهات حول سقف تعويضي للأسرة المكونة من ستة أفراد، لا يتجاوز ال300 دينار، سنويا. وهذا مبلغ ستأكله سلسلة الارتفاعات المتوقعة في أسعار السلع والخدمات في ثلاثة أشهر. ولا يوجد لدى الحكومة أطر فعالة لضبط جنون الأسعار في ' سوق حرة'.
حجم أزمة المالية العامة التي يعانيها الأردن اليوم، هو من الضخامة بحيث لا يمكن معالجتها بإجراءات جزئية وتقليدية، ستؤول إلى الفشل الحتمي طالما ظلت الأسباب المنتجة للأزمة قائمة. ما نحتاجه اليوم هو معالجة شاملة، تأخذ بعين الاعتبار تلافي انفلات التضخم وتعمّق البطالة والانكماش الاقتصادي ومراعاة مستوى الضغوط المعيشية على الفئات الشعبية؛ بل وتحوّل أزمة المالية العامة إلى فرصة للإصلاح الاقتصادي والاجتماعي. كيف؟
باعتماد حزمة متكاملة من السياسات، وعلى رأسها (1) إقرار قانون الضريبة التصاعدية الشاملة على الدخل والأرباح، وإعادة هيكلة الضريبة العامة على المبيعات. فمن دون استخدام الأداة الضريبية على أسس اجتماعية صارمة، فإن إجراءات جزئية مثل إزالة الدعم ووقف التعيينات والمشاريع الإنمائية الخ ستؤدي إلى تعميق الانقسام الطبقي الفادح بين الأقلية المثرية والمدللة من رجال الأعمال وبين الأغلبية المفقرة والمهمشة. وهذه وصفة لانتشار التطرف بكل أشكاله والانهيار الاجتماعي السياسي، (2) تحميل الفئات الأكثر ثراء الحصة العادلة من الكلفة الاجمالية للخدمات والبنى التحتية الخ ويقتضي ذلك استيفاء رسوم تصاعدية على المنازل والسيارات والمزارع الترفيهية والاستهلاكات الأخرى التي تتجاوز الحد المقبول لقدرة الاقتصاد الوطني، (3) فرض رسوم إقامة على جميع المقيمين في البلاد توازي كلفة الخدمات والدعم، التي يستهلكونها،(4) حل مشكلة المواصلات بين المحافظات وداخلها من خلال منظومة نقل عامة تعمل بالكلفة، بما يخفّض استهلاك المشتقات النفطية ويؤمّن سيولة العمالة الوطنية،(5) اعتماد الراتب الاجتماعي المتحرك للموظفين العموميين والعسكريين والمتقاعدين لحمايتهم من آثار عملية إصلاح المالية العامة. والمقترح في الوقت الراهن، زيادة مقطوعة في الرواتب لا تقل عن 50 دينارا، (6) زيادة ـ وليس خفض ـ دعم الأعلاف والمشاريع الزراعية الصغيرة في الأرياف، وتحويل هذا الدعم إلى منظومة من التعاونيات لتلافي استفادة التجار والأثرياء منه ، (7) اتخاذ سياسات واجراءات صارمة وعاجلة لإحلال العمالة الوطنية محل الوافدة، بما في ذلك زيادة رسوم تصاريح العمل والالتزام بيوم العمل من ثماني ساعات وتأسيس شركات توظيف عامة لتلافي العقبات الثقافية في تزويد السوق بقوة العمل المحلية الخ (8) الشروع فورا في خطة تنموية انتاجية في المحافظات بعقول وسواعد أبنائها وليس بأفكار وزارة التخطيط.
مع ذلك كله، تبقى مشكلة الطاقة قائمة. وأول ما يمكن التفكير به في هذا المجال أن قطاع الطاقة هو من الأهمية والمركزية بحيث لا يمكن تركه للقطاع الخاص. هنا، نؤكد على حتمية تأميم هذا القطاع بالكامل، وإدارته على أسس وطنية تتخطى مفهوم الربح. وسأضرب مثالا واحدا في هذا المجال يتعلّق بشركة توليد الكهرباء المخصخصة التي تزيد كلفة انتاج الكهرباء بما لا يقل عن 20 بالمائة، أولا، من خلال ما تحققه من أرباح تدفعها الخزينة ويتم تحويلها إلى الخارج، وثانيا من خلال عدم ضبط آليات الانتاج مما يرفع استهلاك الوقود في انتاج الطاقة الكهربائية.
بالمحصلة، الحل الجزئي سيفشل اقتصاديا، ولن تستطيع الحكومة تمريره شعبيا في ظل توتر اجتماعي سياسي مرشح للانتفاضة. ومن الواضح أن حكومة عبدالله النسور المؤقتة، ليست مخوّلة شعبيا ولا دستوريا ـ نظرا لغياب البرلمان ـ للشروع في برنامج شامل لإصلاح المالية العامة، يمكن لحكومة برلمانية ذات شرعية سياسية، النهوض به. ولا يفصلنا عن ذلك الاستحقاق سوى ثلاثة شهور، يغدو عبثيا تحفيز انفجار اجتماعي خلالها يطيح بالحكومة وبالانتخابات .

التعليقات
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012