أضف إلى المفضلة
الأحد , 19 أيار/مايو 2024
الأحد , 19 أيار/مايو 2024


المطر يبعث على التفاؤل

بقلم : د. رحيّل غرايبة
12-12-2013 01:33 AM
ما زلت اذكر ايام الصّبا عندما كنا أطفالاً نتراكض بمرح في تلك البيوت الطينيّة القابعة في أسفل منحدرات جبال عجلون المطلة على الغور، التي أقيمت على نبع «عين التينه» المتفجرة في قعر الوادي ، وقد تجمع رجالات القرية حول موقد الحطب حيث منعهم المطر الغزير من الخروج الى حقولهم ، وأذكر صيحات الفرح ونداءات التفاؤل المتبادلة بين الكبار ،الممزوجة بعبارات التحميد والثناء على نزول الغيث ، والرجاء بأن يكون المطر قد مرّ بطريقه على حقول القمح والشعير والكرسنه والعدس لتأخذ حاجتها ، وتعلو نبرات التفاؤل كلما اشتدت مطارق المطر ويزيد الشعور بالأمن عندما تشقع المزاريب وتسيل الأودية .
رغم ما يصاحب المطر من ضيق وبرد ورغم ما قد يحدث من حوادث تصيب بعض الأفراد وبعض انواع الدلف الذي يصيب السقوف ورغم زمجرة الريح وولولة العواصف التي تثير بعض الخوف أثناء مرورها في الأزقة أو أثناء صفعها للأبواب والنوافذ المهلهلة فتهزها هزا عنيفا ، فلا يمكن أن يصل الأمر الى التبرم والضيق المفضي إلى كره المطر أو بغض الشتاء ، لأن الناس يعلمون تمام العلم أن هذه الفترة المؤقتة التي تكتنفها الصعوبة تمضي وتزول سوف تؤدي إلى ربيع مزهر جميل قادم، تتفتح فيه الورود وتخضر الأرض وتتزين الجبال وينبت الزرع ويدر الضرع، وسوف ترتوي الأرض وتتفجر الينابيع، وتسيل الجداول الرقراقة التي سوف يمتزج خريرها مع زقزقة العصافير وشدو البلابل، وسوف يمتزج عليل نسائم الفجر المصحوب بقطرات الندى المنثورة على سنابل القمح، التي تملأ الموارس الممتدة عبر السهول المترامية على مد البصر مع تمتمات التحميد والتهليل للمصلين في سكون الليل الساجي .
كثير من الناس الذين يعيشون في المدن في هذه الأوقات لا يلمسون أهمية المطر، ولا يتحسسون الصلة المباشرة بين حبات المطر ومستقبل النماء والبركة، ولا يعيشون تلك الحالة التي يعيشها الفلاح والمزارع الذي بذر البذور في بطن الأرض وعيونه شاهقة إلى السماء، وينتظر على أحر من الجمر أخبار الطقس وإطلالة الغيوم السوداء الكثيفة المطلة من أقصى الغرب، المحملة بالماء والخير والبركة، ولا بد من تحمل لسعة البرد وقصف الرعد وزمجرة الريح المثقل بوعثاء السفر وعناء الترحال .
أراقب الأطفال الحفاة الراكضين خلف صغار البهائم، وقد تبللت أجسامهم النحيلة، وتلطخت أقدامهم بوحل الشتاء، يحاولون جاهدين لملمة القطعان قبل غياب الشمس، ويحاولون حمايتها من برد الليل القريب وشيء من علف قليل، ولكنهم مليئون بالأمل واليقين بالفرج القادم لا محالة، ويعلمون تماما أن الفجر سيشرق حتما بعد العتمة الرابضة بكثافة حول البيوت والتلال المحيطة وسوف يكبرون غدا وينسجون من أشعة الشمس الذهبية المتوهجة أحلامهم الوردية الجميلة عن الوطن والمستقبل .
يا معشر الأدباء والشعراء لا تتحدثوا عن كآبة الشتاء ونشيج المطر الحزين، ولا تتحدثوا عن غيوم الضجر وضباب الضيق والقلق، ولا تذهبوا بنا بعيدا في صحراء العواطف المتجمدة،أوغياهب اليأس المشبع بالسآمة! بل ينبغي ان نغني معا للمطر، وننظم الأشعار وقصائد الغزل، لأبكار السحب والغيوم المشبعة ببذور الخصوبة والنماء والخير والبركة، وهي على موعد مع الأرض العطشى والينابيع الجافة والخزائن المفرغة والبهائم الجائعة ....
ينبغي أن نحفظ أبناءنا أنشودة المطر ، وأنشودة الأرض والوطن ، وأنشودة التفاؤل والأمل ، ومازالت أهزوجة الصبايا اللواتي كن يخرجن تحت رذاذ المطر ترن في أذني ولا تفارق مسمعي وتثير في نفسي كل شجون الماضي ، وهن يرددن :
يالله الغيـث يـــاربـــي تسقي زرعنا الغربي
يالله الغيـث يـا دايـــم تسقي زرعنا النايم
يا الله الغيث يا رحمن تسقي زرعنا العطشان
نرجو أن يكون هذا المطر بداية لموسم مليء بالري والخصب والسماحة والبشر ، ويخلو من كل نوازع الغل ووجوه الشؤم ....


(الدستور)

التعليقات

1) تعليق بواسطة :
12-12-2013 08:00 AM

قال تعالى: وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَراً فَسَآءَ مَطَرُ ٱلْمُنذَرِينَ [الشعراء:173]، وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَّطَراً فَٱنْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُجْرِمِينَ [الأعراف:84]، وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً [الحجر:74]، فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ [الأنفال:32]
وردت كلمة المطر في القرآن الكريم غالبا لتنذر بالعذاب ولا نزال نستعملها بحسن النية على أنها رحمة من رب العالمين.. ندعو الله قبول اعمالنا بحسن نوايانا

2) تعليق بواسطة :
12-12-2013 09:50 AM

بلا شك أنّ مطر السماء الذي ارسله الله الينا وعلينا رحمة لا غضبا يبعث على التفاؤل -- لكن مبادرة زمزم والتي تجسّدت على شكل مركز دراسات في الجاردنز تبعث على التشاؤم والتشاؤل والتثاوب والتراحل والتكوفح والتدهمس وشو بدك كمان يا اخ احنا جاهزين --- لقد سقطت من عينيّ على الأقل واتبعت هواك وزملاؤك.

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012