أضف إلى المفضلة
السبت , 18 أيار/مايو 2024
السبت , 18 أيار/مايو 2024


الجنوب.. من التهميش إلى «الترميش»!

بقلم : حسين الرواشدة
16-06-2015 12:45 AM
هل تفاجأنا حقا بما حدث في الجنوب ؟ ربما ، لكن لابد ان نعترف ان هذه ليست المرة الاولى التي نقف امامها مصدومين مما يجري هناك, فقبل نحو 25 عاما داهمتنا احتجاجات “السائقين” في معان ، وبعدها جرت احداث الخبز ثم تكررت “الازمات” وما تزال مفتوحة حتى الان.
امس الاول, اغلق اهالي “البترا” محلاتهم و اعلنوا التوقف عن العمل, وهي المرة الاولى - ربما - التي يرفع فيها الناس هناك لافتة “ النكبة الاقتصادية “ , وقد سبق ذلك مطالبات من قبل وجهاء المدينة باعتبارها منطقة منكوبة , جاء ذلك على خلفية قضية “البيع الآجل” التي انتهت الى اصدار حجوزات تحفظية على املاك التجار الذين “تورطوا “ فيها ، مما افقد المئات من المواطنين المتعاملين معهم الامل باستعادة اموالهم.
حين ندقق فيما حدث نجد ان ازمة الترميش (كما اصطلح على تسميتها) كانت نتيجة ولم تكن سببا , وانها كشفت عن “الحال” ولم تكن منشأة له , بمعنى ان الجنوب (والبترا جزء منه) عانى على امتداد العقود الماضية من التهميش والاهمال , وانقطعت ذبذبات الاتصال بينه وبين الحكومات والمسؤولين ، وتعرض لموجه من الهجرات الطاردة التي دفعت ابناءه للهروب منه بحثا عن فرص للعمل والحياة الكريمة ، وفجأة ابتدع عدد من ابنائه فكرة جديدة , بدأت باقامة معارض لبيع السيارات وشرائها ثم تحولت الى مشروع تجاري يشمل البيوعات كلها، ووجد الناس انفسهم امام فرصة لا تعوض للحصول على المال وتحقيق احلامهم بالحصول على الارباح السريعة , وعلى امتداد اكثر من (4 ) سنوات اشتغلوا بهذه التجارة ظنا منهم ان العملية تجري في اطار “المشروع” والحلال ، وان الدولة تراقب وتعرف وتشجع ايضا , وإلا فان بمقدورها ( بل من واجبها ) ان تتحرك على الفور لوقف العملية ومحاسبة المسؤولين عنها لو كانت تحوم حولها “شبهات” فساد.
المشكلة التي فجرتها هنا “ البيوعات” الآجلة تتعلق في الاساس بالاسباب الحقيقية التي دفعت الناس هناك الى الوقوع في الفخ للحصول على المال بأية طريقة، ويمكن هنا اعادة طرح الفكرة بطريقة اخرى ، فالاهالي هناك لم يجدوا امامهم في غياب وجود المشاريع التي تؤمن لهم فرصا للعمل ، ومع تآكل دخولهم ورواتبهم ، واحساسهم انهم اصبحوا مطرودين من نعمة التنمية والاستثمار، لم يجدوا امامهم سوى الهروب الى التجارة الجديدة التي اغراهم القائمون عليها بالكسب السريع ، وحين جربها البعض واطمأنوا الى “صدقية” اصحابها , انجر الاخرون اليها وازدحموا على ابوابها ، واعتقدوا ان الرزق جاءهم من اوسع الابواب ، وان ما حرمتهم منه الحكومات سيق اليهم على يد ثلاثة من التجار.
المقصود مما اشرت اليه هو فهم ما جرى لا تبريره، اذ يمكن هنا ان اضع عشرات الاخطاء التي ارتكبها الذين تورطوا في هذه التجارة ، لكن الاهم من ذلك يكمن في مسألتين : احداهما ان اختزال ما حدث وما تمخض عنه من تداعيات وصلت الى حد “اعلان الاضراب” في قضية البيوعات الاجلة لن يساعدنا ابدا في فهم الازمة التي يعاني منها الناس ، لا في الجنوب ولا في غيره من مناطقنا , فهي ازمة معقدة ومستوطنة لها جانب اقتصادي مهم وآخر سياسي واجتماعي ، وبالتالي فان من واجبنا ان نذهب الى عناوين هذه الازمة ، لان حل قضية “البيوعات” سواء برفع الحجوزات التحفظية او غير ذلك لن ينهي المشكلة وانما سيعالجها مؤقتا , لانها كما قلنا نتيجة وليست سببا .
اما المسألة الاخرى فهي انه في المجتمع –اي مجتمع- يمكن ان يتعرض الناس , اذا ما توافرت الظروف والمناخات المساعدة , للاغراءات التي توقعهم في الخطأ والانحراف وربما التطرف والعنف , وهم هنا وان كانوا بنظرنا مخطئين الا انهم ضحايا ويجب التعامل معهم على هذه المسطرة , وهنا فان مسؤولية الدولة لا تتعلق فقط بمواجهة الازمة بعد حدوثها وتمددها وانما تتعلق باكتشافها واستباقها ومحاصرتها قبل ان تتحول الى كارثة, والأولى ان نسأل هنا : اين كانت الحكومات وماذا فعلت ..؟ قبل ان نسأل: لماذا تورط هؤلاء المواطنون في عمليات متاجرة ولديهم شكوك حولها.
بعد ان حدث ما حدث , ارجو الا نقف مكتوفي الايدي حتى تفاجئنا الاحداث في الجنوب من جديد ، كما ارجو ان نخرج من اطار فكرة الحلول الامنية التي اعتمدناها فيما سبق للتعامل مع الازمات هناك, وان نبدأ العمل بصورة جدية لمعرفة حالة الناس هناك والانصات اليهم والاجابة على اسئلتهم.. وقبل ذلك تعزيز الثقة بينهم وبين المسؤولين واقناعهم بانهم جزء اصيل من المجتمع وليسوا مجرد هوامش له او معزولين عنه.

(الدستور)

التعليقات

1) تعليق بواسطة :
16-06-2015 05:47 AM

الطمع والكسب السريع هو العنوان

2) تعليق بواسطة :
16-06-2015 05:51 AM

اذا كانت معان تعاني من قلة الاستثنارات فماذا يمكن للدولة الاردنية ان تفعل اكثر مما فعلت ل وادي موسى
ملايين الدنانير من الاستثمارات ضختها لاحياء المنطقة ومع ذلك فالترميش وفائض اثمان حبوب الكبتاجون المصدر الى السعودية لتبييضه ياخذ طريق الترميش

3) تعليق بواسطة :
16-06-2015 05:53 AM

الترميش يعود الى ابو رمش وهو من كبار تجار المخدرات في السعودية وهو من اخترع هذه الطريقةلتبييض امواله

4) تعليق بواسطة :
16-06-2015 06:00 AM

في احد الاشهر بدا ابو رمش عمله في تبوك السعودية وبعد اسبوعين اشتكى اصحاب المعارض السيارات فما كان من المسئولين الا ان ارسلو مجموعة من سيارات الشرطة التي قامت بجمع كل المتورطين وزجهم في السجن وبعد يومين انتهى موضوع الترميش....

5) تعليق بواسطة :
16-06-2015 07:29 AM

الجواب معروف من خلال مقالك أستاذي العزيزي ونفهم منه ما يلي: تم الإتفاق بين التجار وبعض أقطاب النظام على خطة الترميش. يقوم فيها التجار بجمع الأموال من الناس. وعندما تتكدس ثروة هائلة بين أياديهم ويبدأ التململ المجتمي يقوم الطرف الثاني في الخطة أي أركان النظام برشوة القضاء والتحفظ على الأموال. وبعد مرور عدة سنوات ينسى الناس يقوم هؤلاء الأقطاب بلإتفاق مع القضاء بتحريرها بشكل سرّي على أن تكون الأرباح مثالثة: التجار، أقطاب النظام والقضاء.
إنها خطة محكمة لنهب الناس الجاري منذ قرن تقريبا.

6) تعليق بواسطة :
16-06-2015 08:45 AM

يقول كتاب عمان ان نسبة البطاله بحدود 13 في المئه وهذا ربما صحيح في عمان اما الجنوب ونحن ادرى فان النسبه اكثر بكثير مثﻻ قرى الكرك الطفيله معان الباديه فانني اجزم انها تجاوزت ال70 في المئه لذالك اخشى من وقوع كوارث اشد خطوره في الجنوب ...

7) تعليق بواسطة :
16-06-2015 08:40 PM

من غير ما تحلف ، بس ما قلت لنا ما هي نسبة انتاجية العاملين منهم المتبقية مع استثناء الملتحقين بالقوات المسلحة؟

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012